مكونات العرض :
1. حاجة المادة إلى التطوير ومسايرة المستجدات .
مادة التربية الإسلامية وسؤال الجودة .
مادة التربية الإسلامية بين أصول المعرفة التربوية الإسلامية والمقاربات البيداغوجية الجديدة .
2. اختيار الكفايات والبعد البراكماتي العاجل . (بعد التنمية + البعد الاقتصادي الضيق).
3. حاجة الكفايات إلى التكييف وفق المرجعيات الدينية المعتمدة وطنيا .
4. مساءلات منهجية لمدخل الوضعية ـ المشكلة ضمن اختيار الكفايات .
5. الوضعية ـ المشكلة كمدخل بيداغوجي والدرس التربوي الإسلامي أية ممارسة ؟.
شروط بناء الوضعية ـ المشكلة وفق المرجعية الإسلامية .
أهداف وخطوات درس انطلاقا من وضعية ـ مشكلة .
خاتمة :
?.......................................................
تمهيد :
يشكل النقص الحاد المسجل على مستوى البحوث النظرية والدراسات الميدانية حول الكفايات وعلاقتها بالوضعية الوضعية ـ المشكلة كإطار منهجي جديد للممارسة البيداغوجية والديداكتيكية كما ينبغي أن تمارس ، أحد أهم الأسباب الكامنة وراء التلكؤ في تفعيل اختيار الكفايات عمليا داخل الفصول الدراسية منذ أمد غير يسير بالنسبة لمادة التربية الإسلامية على الخصوص .
فانسجاما مع توجهات الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، اعتمدت وزارة التربية الوطنية بداية من سنة 2002 المقاربة بالكفايات كمقاربة بيداغوجية رسمية في مختلف الأسلاك التعليمية ، غير أن عملية إعمال هذه المقاربة ميدانيا عرفت عدة نقائص حسب التقارير المنجزة في هذا السياق منها على سبيل المثال لا الحصر :
• غياب تعريف مؤسساتي لهذه المقاربة في الوثائق الرسمية .
• تعدد المرجعيات بالنسبة للكفايات / السلوكية ـ البنائية ـ ,,,
• ضعف الانسجام بين مختلف مكونات المناهج الدراسية .
• نقص وضعف في التكوين المستمر لمختلف الفاعلين التربويين حول المقاربة .
• ونقص على مستوى التواصل الهادف إلى نشر وتعميم الدراسات ونتائج البحوث التي تنجز على المستوى الوطني في الموضوع بين أوساط الفاعلين التربويين .
• كل هذا وغيره ، شكل بالنسبة لنا حافزا موضوعيا للخوض في هذا الموضوع سعيا وراء تحقيق الأهداف التالية :
• المساهمة في تعزيز التراكم الأدبي بالنماذج العملية الخاصة بالموضوع لجدته .
• دعم التكوين الذاتي للفاعلين التربويين ، العاملين بالميدان ، وداخل الفصول الدراسية.
• تقديم اقتراحات عملية لتفعيل هذه البيداغوجيا وكل مكوناتها ، من خلال التركيز على مدخل الوضعية ـ المشكلة .
• فسح مجال للنقاش والتجريب الديداكتيكي التربوي .
1ـ حاجة المادة إلى التطوير ومسايرة المستجدات .
مادة التربية الإسلامية بين أصول المعرفة التربوية الإسلامية والنماذج الوافدة .
لا شك إن تأكيد العقيدة الصحيحة ، وتثبيت القيم النبيلة في نفس المؤمن/الإنسان/المتعلم ، باعتبارها المحرك الأساسي للأفعال والسلوكات ، تعد من بين الأساسيات التي قامت عليها الدعوة الإسلامية ، بل كل رسل السماء عملوا على تحقيق هذه الغاية كلا حسب زمان بعثته .
فالمتمعن في الرسالات السماوية المنزلة على رسل الله تعالى وأنبيائه عليهم السلام من لدن سيدنا نوح ، إلى سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، في علاقة كل رسالة منها بطبيعة وخصوصيات الفترة التي جاءت فيها ، والتطورات العقلية والمعرفية الإنسانية بصفة عامة عبر السنين والأحقاب ، يمكنه أن يستنتج وبكل وضوح ، أن تعليم الله تعالى للإنسان ـ بتلك الرسالات ـ قد اتخذ طبيعة تدرجية ، توافق حال كل أمة وواقعها ، وتنسجم تماما مع حاجاتها الآنية والمستقبلية على مدى معين ، فضلا عن استجابتها لحاجات أفرادها الآجلة ، إذ إن < مستوى العلم تابع لرسالة كل رسول ، فليس عند كل رسول من العلم إلا بقدر ما تحتاج إليه أمته فقط. > كما رواه الإمام الألوسي في تفسيره روح المعاني عن الخواص . انظر الجزء 15 من تفسيره ، ص: 332.
لذلك ، جاء القرآن القرآن الكريم بأصول عامة ودقيقة في المجال التربوي ، وعضد الحق سبحانه وتعالى الجانب التطبيقي العملي لتلك الأصول والتوجهات العامة ببعثه لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كنموذج عملي تطبيقي لها على أرض الواقع العملي للأمة ، تأخذ عنه ، وتنسج على منواله في كل أمورها الحياتية ، وسيما في الجانب التربوي التعليمي .
ويمكن بالرجوع إلى كتاب الله تعالى ، والمواقف التعليمية التربوية لسيد الخلق ، الوقوف على العديد من الوضعيات التعليمية الهادفة إلى تحقيق غايات التربية الإسلامية بكل جلاء ووضوح.
ويمكن أن نسوق من ذلك على سبيل المثال لا الحصر في كتاب الله ، العديد من الأمثلة ، منها قصة موسى والعبد الصالح ، وقصة حجة إبراهيم على قومه في واقعة الأصنام وغيرها كثير ، كما يمكن في مجال السيرة النبوية الوقوف على أمثلة عملية حصيفة وعملية ، والغرض من كل ذلك هو تمكين الناس من المعرفة الضرورية لتحقيق غايات الإسلام وأهدافه .
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا بإلحاح ، باستحضار واقع الحال المعاصر ، هو ، هل الإسلام يقف ضد الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى الناجحة في المجال التربوي ، ويمنع الاستفادة من الخبرات الناجحة التي أثبتت نجاعتها وفائدتها لديهم ؟ .
لا نماري في التقدم المعتبر الذي قطعته البشرية في مجال العلوم الإنسانية جملة ، والعلوم التربوية التطبيقية على وجه الخصوص ، وما أفرزه ذاك التقدم الكبير من نظريات ونماذج اجتاحت كل بلدان المعمور بفضل تكنولوجيا التواصل الحديثة ، لكننا قد لا نكون مبالغين إن حاولنا الاستفادة من هذه التجارب الناجحة لدعم الجهود المبذولة على المستوى الوطني على الأقل لتطوير كل ما يتعلق بتدريس مادة التربية الإسلامية ، وذلك طبعا دون التفريط في أصولنا التربوية ومرجعياتها السامية ، وإنما بهدف تعزيزها ودعمها ، وبذلك وحده نحقق عدة أهداف ، لعل على رأسها تحقيق انفتاح الماة على تجارب أخرى ، إلى جانب تأصيل التجارب التربوية العملية التطبيقية أثناء الممارسة الميدانية ، وبذلك أيضا ، نكون قد استثمرنا رصيدنا التربوي بخصوصياته ومرجعياته الإسلامية الرامية إلى تحقيق مصالح الإنسان العاجلة ـ كما هو الحال لدى الأخر ـ ومصالحه الآجلة التي تبقى هي السمة المميزة التي تشكل القيمة المضافة والفارق بين الثقافة الإسلامية وغيرها من الثقافات الأخرى المفروضة علينا بحكم التعايش والتساكن في هذا العالم ، شئنا ذلك أم أبينا .
التربية الإسلامية وسؤال الجودة .
لا غرو إن مادة التربية الإسلامية على غرار باقي التخصصات مدعوة بعد استكمال إصلاح المناهج إلى تطوير آليات وأدوات اشتغالها ، وتنويع المقاربات البيداغوجية لمسايرة المستجدات التي أصبحت تفرض نفسها على الساحة التربوية التعليمية ، إن هي رامت لنفسها احتلال مكانة معتبرة ضمن باقي المواد الدراسية ، وتحقيق الغايات المرسومة لها في إطار دورها الاجتماعي ، وذلك باجتهاد القيمين عليها ، كل من موقع مسؤوليته ، من أجل تحقيق شروط الفعالية الميدانية المرتبطة بالمتعلم وبواقع وظروف تعلمه الحقيقية ، والمرتبطة بالشروط البيداغوجية والتعليمية العامة ، دون إهمال ربط المتعلم بمنظومة قيم ديننا الحنيف والقيم الإنسانية النبيلة على مستوى التصور والممارسة السلوكية ، وذلك في أفق تحقيق شرط الجودة على كافة المستويات ، وعلى رأسها جودة التعلمات التي لا تنفك عن جودة الخدمات التعليمية التي تقدم للمتعلم باعتباره قطب الرحى ، والمستهدف الرئيسي في كل عملية تعليمية تعلمية ، فلا جودة إذن بدون تجديد وتطوير ، ولا تطوير بلا تجريب وتقويم وتنقيح يركب متن الانفتاح والتواصل ، ويستثمر كل الإمكانات المتاحة بما في ذلك التكنولوجيا الحديثة لتحقيق أهدافه ومراميه .
2اختيار الكفايات والبعد البراكماتي العاجل . (بعد التنمية + البعد الاقتصادي الضيق).
تتحدد المرجعية التاريخية لبيداغوجيا الكفايات بتطبيقاتها ، في مجال الفكر المقاولاتي كما هو معلوم ، ونظرا للنجاحات التي حققتها كتجربة ترتكز على الخبرة المعرفية والعملية الوظيفية ، وتحقيق التنمية الذاتية والجماعية في عالم الاقتصاد ، تم نقلها إلى الميدان البيداغوجي التربوي بهدف تحقيق البعد التنموي لدى المتعلمين بخلفيات متعددة ، لعل أهمها الخلفية البنائية التي اشتهرت بها في عالم التربية الحديثة في جل الأقطار .
وحيث إن الفكر المقاولاتي فكر يستهدف بالأساس البعد النفعي العاجل ، ويركز على المعطى الاقتصادي الصرف المرتبط أساسا بالبعد التنموي ، ويهمل بشكل صريح أو ضمني البعد الآجل للمستهدفين ، وهو البعد نفسه الملاحظ بالنسبة لبيداغوجيا الكفايات كإطار بيداغوجي تعليمي ، حيث نسجل نفس الغياب للبعد الوجداني لصعوبة الإمساك به واستثماره .
وعلى الرغم من وجود هذا المعطى ، والذي لا يمكن اعتماده بحال مبررا لنبذ أو استبعاد الأخذ بهذه البيداغوجيا في الدرس الإسلامي ، لما يشكله الأخذ بها من قيمة مضافة للمادة وتأثيرها الإيجابي المحتمل جدا على كافة المستويات خدمة للمتعلم بالأساس ، ولكن شريطة استحضار حمولة مرجعياتنا الشرعية في معالجة ما تقترحه هذه البيداغوجيا الجديدة من مداخل ، ومن نماذج وأنشطة إجرائية تتناسب وحاجيات المتعلم الحديث .
فالدعوة إلى التمسك بالأصول التربوية الإسلامية التي تمتح من القرآن الكريم والسنة النبوية لا تعني الانغلاق والتشدد ، كما إن الانفتاح على التجارب التربوية الوضعية للآخر لا تعني الاغتراب التام والقبول المطلق دون تمحيص ونقد ، وإنما الحكمة وعين الصواب تقتضي التمسك بالأصول واستحضار مقاصدها ، ودعم توجهاتها الكبرى بالتجارب الناجحة المفيدة ، المسايرة والمتوافقة مع توجهات أصولنا ومرجعياتنا الدينية الخالدة وفق اختيار الكفايات كتجربة ناجحة وافدة علينا من الآخر ، وهذا على الأقل أفضل بكثير من الفوضى العارمة منهجيا وديداكتيكيا ، وتربويا وبيداغوجيا ، كتلك التي هي ميزة الساحة التعليمية اليوم على مستوى مادة التربية الإسلامية .
3 حاجة بيداغوجيا الكفايات إلى التكييف وفق المرجعيات الدينية المعتمدة وطنيا .
لاشك أن من أهم غايات الإسلام التربوية التعليمية ، تأهيل الإنسان / المسلم للمساهمة في تنمية كفاياته الذاتية ، استهدافا للمسلم المومن القوي كما قال صلى الله عليه وسلم ، القادر على المساهمة الفاعلة في تنمية محيطه بكل مكوناته ، والقادر على إحداث التغيير الإيجابي في هذا المحيط ، عن طريق تمكينه من فرص حقيقية لاكتساب مختلف الأدوات والآليات النظرية والعملية ، ومختلف المهارات والاستراتيجيات المعرفية التطبيقية الضرورية ، المساعدة له على النجاح في الدارين .
والحقيقة إن اختيار الكفايات كإطار منهجي بيداغوجي مستورد ـ على الرغم من النقيصة المشار إليها أعلاه ـ يبقى إطارا عمليا مقبولا لتحقيق الغايات المنشوذة من وراء تدريس مادة التربية الإسلامية عموما ، ولكن يمكن نظريا وعمليا إخضاع هذه البيداغوجيا لخصوصيات المادة ، وتكييفها وفق معطيات واقع وظروف تنفيذ منهاجها ضمن منظومتنا التربوية الوطنية ، والاستفادة من الإمكانات التي تتيحها أمام المتعلم للانتقال من الحفظ والاستيعاب الآلي للمعارف والمعلومات مع التغييب التام للمهارات والقيم ومعرفة الفعل ، إلى استثمار تلك المعارف كوسيلة لا غاية في حد ذاتها ، واستحضار القيم واستبطانها في مواقف حياتية حقيقية أو افتراضية ، والتدرب المستمر على توظيف مختلف المهارات المكتسبة في إطار ممارسة معرفة الفعل ، وتحقيق كينونة الإنسان/ المتعلم الإيجابية ، وليس ذلك بعزيز على المشتغلين في حقل مادة التربية الإسلامية إذا توافرت عدة شروط ، يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
• تكثيف اللقاءات التشاورية فيما بينهم لتعزيز فرص التعلم واكتساب الخبرات بشكل تشاركي .
• التعاون لضبط مكونات بيداغوجيا الكفايات وتبادل المعرفة الأكاديمية النظرية والعملية المتعلقة بها .
• التوافق حول الخطوات المنهجية المتعلقة بمدخل الوضعية ـ المشكلة كمدخل مركزي ضمن بيداغوجيا الكفايات ضمن منهجية التدريس .
• التعاون من أجل إشهار وتدقيق منظومة القيم المؤطرة لمفردات وحدات منهاج المادة .
• الضبط الواضح لمنهجية الاشتغال الديداكتيكي بالنسبة لكل المكونات المنهاجية المعتمدة لتصريف منهاج المادة داخل الفصول الدراسية وفي سلكي الثانوي معا .
• تكثير آليات ووسائط وفرص التواصل بين مختلف الفاعلين التخصصيين ، وتفعيلها ونشرها بينهم على أوسع نطاق .(تسجيع الانخراطات الرقمية المهنية ـ الإنترنت ـ المدونات ـ مجموعات المناقشة .... ) .
• تكثيف ورشات العمل الوظيفية ، خاصة لفائدة الأساتذة العاملين بالفصول الدراسية .
• وغير ذلك من شروط النجاح الكثيرة .
وفي استمرار تغييب هذه الشروط الموضوعية وغيرها ، سيبقى التخبط والعشوائية سيدا الميدان ، وستبقى المواقف السلبية (عن جهل / والإنسان بطبعه عدو ما جهل) إزاء هذه البيداغوجيا حاضرة تفت في عضد الراغبين في الاستفادة من هذه التجربة الحيوية إلى ما شاء الله ، وتبقى المادة والمتعلمين هما الخاسران الأكبران .
4 مساءلات منهجية حول مدخل الوضعية ـ المشكلة ضمن اختيار الكفايات .
إذا ما انتقلنا للحديث عن الجوانب المنهجية المتعلقة بمدخل الوضعية ـ المشكلة ، وتحليل مختلف السيناريوهات المحتملة لتنفيذها الميداني داخل الفصول الدراسية ، يمكننا طرح التساؤلات الجوهرية التالية :
• هل نصوغ وضعية ـ مشكلة لكل مكون من المكونات الثلاث للمنهاج :
دروس الوحدات ـ دعامات القرآن الكريم ـ دعامات الحديث الشريف بالثانوي الإعدادي ؟
الدرس النظري ـ حصة التطبيقات ـ حصص الأنشطة بالثانوي التأهيلي ؟
• أم أن الوضعيات التعليمية المشكلة تخص كل مفردة من مفردات الوحدات النظرية فقط ؟
• متى نستحضر الوضعية ـ المشكلة أثناء تنفيذ خطوات الدرس / موقع أو مرحلة طرحها ودراستها ؟.
• كيف تؤطر الوضعية ـ المشكلة العمل الديداكتيكي ؟
• من المسؤول عن افتراض فرضيات للوضعية المشكلة المطروحة ؟ ومن يمحصها ؟
• متى تتم عملية تمحيص الفرضيات ضمن خطوات ومراحل الدرس ؟
• متى ينبغي أن يتدخل المدرس لتقديم الدعم اللازم ؟
• كيف يمكن استثمار حصص الأنشطة التطبيقية الداعمة في تعميق المعارف والمهارات ، وتطوير خبرات ومكتسبات المتعلمين ؟
• هل يجب استحضار موجهات الأطر المرجعية للتقويم خلال تنفيذ البرامج الدراسية في كل المستويات الدراسية بلا استثناء ؟
• ما هي المؤشرات التي يمكن اعتمادها لبناء وضعية ـ مشكلة ديداكتيكية لدرس نظري ، تتماشى مع أساسيات التدريس بالكفايات ، وتستحضر خصوصيات الدرس التربوي الإسلامي ؟
هذه التساؤلات أساسية بالنسبة لمنهجية الاشتغال والتعامل مع الوضعية ـ المشكلة في ثنايا الدروس ، ومن شأن الإجابة عليها أن تزيح الكثير من الغموض الذي يكتنف الاشتغال على هذا المدخل الجديد ، ويمد العاملين بالفصول الدراسية بمدد يسعفهم في التطوير النوعي لأدائهم العملي مهنيا ولو بخلفية تجريبية على الأقل .
5 مدخل الوضعية ـ المشكلة والدرس التربوي الإسلامي أية ممارسة ؟.
تأسيسا على المعلومات المتضمنة بالتقرير البيداغوجي السنوي الأول الذي تنجزه المفتشية العامة للشؤون التربوية حول حالة المواد الدراسية ، فإن المعطيات المستقاة حول الموضوع فيما يخص مادة التربية الإسلامية تشير إلى إن غالبية أساتذة المادة لا يعتمدون بعد الوضعية ـ المشكلة كمدخل ديداكتيكي في دروسهم لعدة أسباب موضوعية ، لعل على رأسها ضعف التكوين المستمر الوظيفي ، بل إن جلهم يجد صعوبات جمة في فهم واستيعاب مقومات بيداغوجيا الكفايات جملة وتفصيلا ، فممارساتهم التعليمية ـ في الغالب ـ لم تبرح في أحسن الأحوال ما كان عليه الوضع قبل تبني الكفايات كاختيار بيداغوجي رسمي ، مما أثر سلبا على المردودية الداخلية والخارجية للمادة ، وحد من فعاليتها ، وقلص بالتالي من الدور الاجتماعي الذي أنيط بها رسميا .
إن واقع المادة ميدانيا يلح على الحاجة الماسة إلى الرفع من مردوديتها ، إن على مستوى منهجيات التدريس والمقاربات البيداغوجية ، أو الوسائل والمعينات الديداكتيكية ، أو أساليب تقديم مضامين المنهاج وعرضها على المتعلمين بصيغ قريبة من واقعهم وانتظاراتهم ، لتحفيزهم ودفعهم للمشاركة والانخراط التلقائي في العملية التعليمية التعلمية أولا ، وثانيا بتمكينهم وبالتدرج الحثيث من أدوات وتقنيات وآليات التعلم الذاتي ، وإتاحة الفرص السانحة أمامهم لتوظيف مكتسباتهم في وضعيات مشاكل قريبة منهم ، وتسمح بهامش كبير من فرص التحويل والاستثمار في وضعيات حياتية مماثلة أو قريبة مما تدربوا عليه داخل فصولهم الدراسية ، ولا سبيل لتحقيق ذلك إلا بركوب الجديد ، والاستفادة من خبرات وتجارب الآخر التي أثبتت جدواها وصلاحيتها على أرض الواقع ، ومن ضمنها بيداغوجيا الكفايات ، ومدخلها المركزي ، مجسدا في مدخل الوضعية ـ المشكلة .
إنه قد بات من الضروري بالنسبة لكل أساتذة مادة التربية الإسلامية خوض تجربة بناء وضعيات مشاكل كتمرين أساسي عملي ووظيفي ، وذلك للأهمية القصوى لهذه العملية في سياق تطوير أدائهم العملي ، وترقية مسارهم المهني دعما لخبراتهم المهنية ومدهم بالجديد من جهة ، ومن شأن ذلك أيضا أن يسهم في تحقيق فعالية المادة من جهة أخرى ، وتحقيق فعالية المتعلم ومشاركته الإيجابية في التعلم ، ومتى ما أحس المتعلم بتغيير إيجابي ذي جذوى بالنسبة إليه ، على مستوي منهجية وبنية وشكل وصيغ تقديم مكونات ومضامين المادة ككل من جهة ثالثة ، إلا وانخرط تلقائيا في الفعل التعلمي وأبان عن كعبه العالى فيه ، وهذا واقع ملموس وجلي على أرض الواقع في بعض مؤسساتنا التعليمية .
إن تمرينا كهذا من شأنه أن يمكن أساتذة المادة من الإمساك بناصية هذه الخبرة الجديدة ، وييسر لهم سبل صياغة وضعيات إشكالية تتناسب والوسط الاجتماعي والبيئي الذي يعملون فيه ، إلى جانب الواقع المعيش لتلامذتهم ، وضعيات تتوفر فيها الشروط البيداغوجية المطلوبة ، والمتناسبة مع حاجات تلامذتهم ، مع استحضار الأبعاد العقدية الشرعية والوجدانية ، والقيم الملائمة لخصوصياتنا وهويتنا الدينية والقومية .
شروط بناء الوضعية ـ المشكلة وفق المرجعية الإسلامية .
إذا سلمنا بأن أكبر وضعية ـ مشكلة تعيشها الإنسانية هي الحياة نفسها ، وأن البارئ تعالى جعلها فترة ابتلاء للبشرية ، لتمييز من يحسن التصرف من المسيء ، لقوله تعالى في سورة الملك (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(1)الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2)) ، وحيث إن الإحسان في العمل هو حسن التصرف ، المقابل لمفهوم الكفاية في الطرح الغربي الوافد .
وانطلاقا من كون الوضعية ـ المشكلة آلية مركزية لتحقيق الكفايات في نهاية المطاف ، أي أنها وسيلة لا غاية ، تمكن المتعلم من فرص تطوير وتفعيل مكتسباته ومهاراته وخبراته العملية المتعلقة بمعرفة الفعل إلى جانب المعرفة وعلى أساسها ، ومعرفة الكينونة وشروط التواجد والتواصل .
إذا كان الأمر كذلك ، فإن ذلك يقتضي أثناء بناء وضعية ـ مشكلة في الدرس التربوي الإسلامي ، حتى نتمكن مبدئيا من إخضاع هذه التجربة الجديدة الوافدة المفيدة لخصوصيات المادة بأصولها ومرجعياتها الخالدة ، أن نراعي بعض الشروط الأساسية ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي :
• استصحاب البعد العقدي التعبدي الذي يربط كل فعل حسن للإنسان بخالقه ، وأن "الدين المعاملة".
• استحضار البعدين الوجداني والانفعالي المرتبطين بالقيم الروحية والجمالية بالمنظور الشرعي .
• التركيز على البعد النفسي المرتبط بتحريك الضمير الحي والوازع الديني .
• الربط بالواقع المعيش والقضايا التي يعايشها المتعلم ، أو القريبة منه .
• تعزيز ارتباط المتعلم بكتاب الله وسنة نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام كتطبيق عملي لأوامر القرآن الكريم ، ومثلا أعلى .
• حسن اختيار سياقات للوضعية المشكلة ، وحسن سبكها وصياغتها .
• تدقيق المهام المطلوبة من المتعلم وربطها بالإشكال المطروح من جهة ، وبالنصوص ومضامينها المبثوثة في الكتاب المدرسي كنقطة انطلاق في الآن نفسه .
• الحرص على وضوح تعليمات الإنجاز وتدقيقها وملاءمتها مع المهمة أو المهام المطلوبة .
وتعزيزا لكل ما سبق ، نقترح المنهجية التالية لتقديم درس مؤسس على مدخل الوضعية ـ المشكلة مساهمة في توضيح الأمر أكثر ، على أنه يجب ألا يغيب عن ذهن المدرس أن مدخل التدريس بالوضعية المشكلة هو وسيلة لا غاية في حد ذاته كما أشرنا ، وسيلة لتمليك المتعلم الكفايات الممتدة أو المستعرضة بين المواد الدراسية ، وفي الآن نفسه الكفايات النوعية الخاصة بمادة التربية الإسلامية وخدمتها ، وتدريب للمتعلم على اكتساب الاستراتيجيات المفضية لحل المشكلات .
خطوات ومراحل درس مستند إلى وضعية ـ مشكلة
الخطوة الأولى :
?التقويم التشخيصي
?التمهيد للدرس الجديد .
الخطوة الثانية :
مرحلة بناء الوضعية ـ المشكلة :
?ـ قد تكون من اقتراح المدرس أو مبثوثة بالكتاب المدرسي .
?ـ وقد تكون من اقتراح التلاميذ فتبنى جماعيا بتعاون وتوجيه من المدرس .
وفي كلتا الحالتين تراعى خواص الوضعية ـ المشكلة وأساسياتها ، وخصوصيات المادة ومرجعياتها .
مرحلة عرض الوضعية ـ المشكلة :
تعرض الوضعية ـ المشكلة بشكل بارز بأحدى وسائل العرض المعروفة والمتاحة .
قراءتها قراءات متعددة لمعرفة سياقها ، وضبط مكوناتها والهدف منها .
مرحلة تملك الوضعية ـ المشكلة :
التأمل فيها وتحليلها ودراستها عن طريق أسئلة استكشافية .
فهم سياق الوضعية ، وفهم المهمة أو المهام المطلوبة عن طريق التعليمات المصاحبة للوضعية المشكلة.
مرحلة صياغة فرضيات الحل :
تجميع مقترحات فرضيات الحل عن طريق تقنية العصف الذهني جماعيا وتدوينها .
ترتيب الفرضيات المجمعة وتصنيفها .
استبعاد الفرضيات غير الموافقة للشرع أو المنطق .
التحديد النهائي للفرضيات المتبناة جماعيا كفرضيات للحل .
الخطوة الثالثة :
مرحلة اكتساب التعلمات المساعدة على اكتشاف الحل :
ـ معالجة نصوص الانطلاق وتوثيقها وبيان سبب النزول ما كان وظيفيا .
ـ التعريف بالأعلام
ـ معالجة القاموس اللغوي والاصطلاحي .
ـ معالجة المفاهيم المركزية للدرس .
ـ تحليل النصور واستخلاص المضامين والقيم المركزية .
ـ تحليل محاور الدرس المقترحة بالكتاب المدرسي / بالتركيز على المعارف الخادمة لحل الإشكالية المقترحة .
ـ استخلاص الخلاصات على شكل رؤوس أقلام ، في علاقتها بالوضعية ـ المشكلة المقترحة .
ـ تقويم تكويني / أسئلة مركزة وهادفة إلى التأكد من امتلاك التلاميذ لمفاتيح حل الوضعية ـ المشكلة.
الخطوة الرابعة :
مرحلة تطبيق المكتسبات :
استعراض الحلول المكنة للوضعية المشكلة باستثمار المكتسبات الجديدة بشكل جماعي .
تصنيفها وترتيبها .
استبعاد الحلول غير المتوافقة مع توجيهات الشرع والحلول غير المنطقية .
تحديد الحلول النهائية للوضعية المشكلة .
العودة إلى الفرضيات المقترحة ، وتمحيصها والمفاضلة بينها .
بحث إمكانية تعميم الحلول المتوصل إليها على وضعيات مماثلة .
الخطوة الخامسة :
تقويم إجمالي للدرس .
الإعداد القبلي .
تلخيص المقاربة
1.التلاميذ يواجهون وضعية ـ مشكلة مركبة متوقعة الحل غير ذات طبيعة تعجيزية .
2.يقدمون أجوبة مؤقتة تكون غالبا عبارة عن فرضيات بسيطة أو مقترحات أو قرارات أولية.
3.يفحصون الأجوبة المؤقتة ويختبرون فرضياتهم من خلال أنشطة والاشتغال على نصوص ووثائق.
4.يقومون النتائج ، ويحددون الحلول أو القرارات بشكل توافقي .
5.يمحصون الفرضيات التي وضعوها ويفاضلون بينها في ضوء الحلول المتوصل إليها .
6.يبحثون تعميم الحلول على وضعيات مماثلة .
خاتمة :
نعتقد جازمين بإن هذه الورقة في الموضوع قد جاءت في إبانها ، وتمس جانبا مهما من الجوانب المتعلقة ببيداغوجيا الكفايات ، والوضعية ـ المشكلة على الخصوص ، وهي تشكل فرصة سانحة لبسط هذا الجانب الحيوي من الناحية المنهجية على الأقل ، على بساط المناقشة في إطار التدافع وتلاقح الأفكار ، وتوحيد الجهود وتسديدها لتحقيق إدماج وظيفي بين الكفايات وخصوصيات ومرجعيات المادة .
كما نؤمن بكون باب الاجتهاد مفتوح في المجال ، وإن الآراء والأفكار والقناعات قد تكون متباينة في هذا العنصر أو ذاك ، لكنها ينبغي أن تكون موحدة وواضحة على مستوى الجوهر والغاية والقصد .
[b]