رســــــالة إلى المعلمين والمعلمات
الحمدُ للهِ الذيِ علّّمَ بالقلَمِ ، عَلَّمَ الإنسانَ ما لم يعلمِ، أشهدُ أن لا إلهَ لَنَا غَيرُهُ ، ولا ربَّ لنا سِواهُ ، ولا نعبدُ إلاَّ إيَّاه ، رباً تَتَعَاقَبُ بإذنِهِ الأجيَالُ والأُمَمْ ، وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورسولُه، أُوتِيَ جوامِعَ الكَلِمِ، أخرجَنَا اللهُ بهِ إلى النَّورِ وأنقذنَا من حَالِكِ الظُّلَمِ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضْلِ والهِمَم، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) :أما بعد:
أيها الأخوةُ في اللهِ ، غداً مدارسُ العلمِ تَفتَحُ أبوابَها، ويُقبِلُ عليها طُلابُها ، فنسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ الكريمَ ، أن يوفقَ الجميعَ لما يحبُ ويرضى ، وفي هذه المناسبةِ ، هذه رسالةٌ أوجِهُهَا إلى المعلمينَ والطُّلابِ ،وأسألُ اللهَ أن ينفعَ بِها ، فيا أيها المعلمُ ، أنتَ قبسٌ ، من نورِ رسالةِ الأنبياءِ والمرسلينَ ، فكنْ عندَ حُسنِ ظنِّ الناسِ بكَ ، فلا تمرنَّ بكَ ساعةٌ ، إلا وأنتَ مغتنمٌ فائدةً تفيدُها لِطُلابِكَ ، ولا تبالغْ في محاسبَتِهم ، حتى لا يَمِيلُوا إلى الفراغِ والمفسدةِ ، ومضيعةِ الوقتِ أيُّ مَضيعه ، معلومٌ : أن طبيعةَ الطُّلابِ ، تميلُ إلى الانفلاتِ ومضيعةِ الوقتِ ، وحبِّ الإضراباتِ ، فعليكَ بِحُسنِ التريةِ والتّعليم ، ها نحنُ قد أودعْناكُم معشرَ المعلمينَ ، فلذاتِ أكبادِنا، فكونوا لهم قُدواةٍ صالحةً ، ومُربينَ نَاجِحينَ ، عامِلوهم مُعَامَلةً حسنةً، وأظهروا لهم المحبةَ والّين ، ليقابلوكم بالاحترامِ والطاعةِ، وبالجدِّ والاجتهادِ:، هم ينتظرونَ منكم عُلوماً نافعةً ، وينتظرون منكم الوصايا الجامعةَ ، لخيري الدنيا والآخرةِ ، فَخُذوا بمجامعِ تلك القلوبِ إلى اللهِ علاَّمُ الغيُوب، ودلّوها على محبةِ اللهِ ومرضاتِهِ ، واغرسوا فيها الإيمانَ ، والإحسانَ ، والعبوديةَ للهِ ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أَيُّها الفُضلاء : ما كان للهِ دامَ ، وما كانَ لغير ِاللهِ انقطعَ وانفصلَ ، فأخلصوا للهِ القولَ والعملَ ، قال الحسنُ البصريُ رحمه الله : لايزالُ الرجلُ بخيرٍ ، إذا قالَ : قال للهِ وإذا عَمِلَ : عَمِلَ للهِ ، والإخلاصُ ، عاقبتُهُ الرِّضا والسّرُورُ، وجناتُ الفردوسِ والحبُورُ، ما كان في قَليلٍ إلا كثَّرَهُ، ولا يَسيرٍ إلا باركَهُ ، وكمْ من عملٍ قليلٍ ،كثَّرتُهُ النيَّةُ ، فأخلصوا للهِ في القولِ والعملِ ، لأنَّ رسالةَ العلمِ و التعليمِ ، رسالةُ ائتساءٍ واقتداءٍ ، بأشرفِ الخلقِ وسيدِ الأنبياء ، محمدٍ ، كان خيرَ المعلمينَ ، وإمامَ المربيينَ والموجهينَ ،يَقولُ معاويةُ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِىِّ وأرضاه: كما في صحيحِ مُسلم ، بَيْنَا أَنَا أُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَرَمَانِى الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَىَّ. فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِى لَكِنِّى سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ فَبِأَبِى هُوَ وَأُمِّى مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِى وَلاَ ضَرَبَنِى وَلاَ شَتَمَنِى قَالَ { إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَىْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ } أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وقالَ أنسُ بنُ مالكٍ وأرضاه:[خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ تِسْعَ سِنِينَ فَمَا أَعْلَمُهُ قَالَ لِى قَطُّ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا وَلاَ عَابَ عَلَىَّ شَيْئًا قَطُّ.] كان حليماً رحيماً ، رفيقاً رقيقاً، يُيسرُ ولايُعسرُ، ويبشرُ ولا ينفرُ، كان طليقَ الوجهِ ، دائمَ البِشْرِ والسرورِ ،يقولُ جريرُ بن عبدالله وأرضاه:كما في البُخاري [مَا حَجَبَنِى النَّبِىُّ مُنْذُ أَسْلَمْتُ ، وَلاَ رَآنِى إِلاَّ تَبَسَّمَ فِى وَجْهِى ] أقبلَ أبناءُ المسلمينَ على المعلمينَ ، وأقبلتِ البناتُ على المعلماتِ ، حقوقٌ وواجباتٌ، أماناتٌ ومسئولياتٌ ،برِأَتْ من حملِها الأرضُ والسمواتُ، وأشفقتْ من عِبئِها الجبالُ الشمُّ الشامخاتُ الراسياتُ، وحَمَلَ هذه الأماناتِ المعلمُ، وحَمَلتْها الْمُعلِّمةُ، حملَها كلُّ واحدٍ منهما ، أمانةً على ظهرِهِ ، ووضعَها في رقبتِهِ وعنقِهِ ، لكي يُرهنَ بها بين يدي اللهِ ربِّه ، فطوبى ثم طوبى للمخلصينَ المجدينَ المجتهدينَ ، وطوبى للمثابرينَ الناصحينَ ، وويلٌ ثم ويلٌ ، للمستهزئينَ والمستخفينَ والمضيعينَ ( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) يا معشرَ المعلمينَ والمربينَ : انعقدتْ عليكم الآمالُ ، بعد اللهِ ذي العزةِ والجلالِ ، في هدايةِ النَّاسِ من الضلالِ ، وفي تعليمِ الجاهلِ وتربيةِ السَّفيهِ ، سيأتيكم أقوامٌ وفئامٌ ، يأتيكم الجاهلُ بجهلِهِ ، والسفيهُ بسفهِهِ، فاصبروا رحمَكم اللهُ وصابروا ، واغرسوا بأيديكم بذوراً ، قريباً يكونُ ثمارُها، وقريباً يكونُ حصادُها، اغرسوا بأيديكم العلومَ النافعةَ ، واغرسوا بأيديكم الأخلاقَ الجامعةَ ،لخيري الدنيا والآخرةِ ، فَالتعليمُ رسالةٌ عظيمةٌ ، تقلدَها الأنبياءُ، وَوَرِثَها العلماءُ، وقامَ بها الأخيارُ والصلحاءُ ، فطوبى لمن عرفَ حقَّها، وأدى حقَّها على الوجهِ المطلوبِ ، الذي يرضي اللهَ جل جلاله بارك الله لي ولكم في القران العظيمونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم منكلِّ ذنب ، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم
الحمدُ للهِ ربِ العالمين ، الرحمنِ الرحيمِ مالكِ يومِ الدينِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ، إلهُ الأولين والآخرين، وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ المصطفى الأمينَ، صلى الله وسلم عليه ، وعلى آلِ بيتِهِ الطيبين والطاهرين، وعلى جميعِ أصحابِهِ الغرِّ الميامين، وعلى جميعِ من سارَ على نهجِهم وسلكَ سبيلَهم إلى يومِ الدينِ ، أما بعد: فيا معشرَ الطُّلابِ والطالباتِ : هاهي أيامُ العلمِ قد أقبلتْ ، فأقبلوا عليها بجدٍّ وإخلاصٍ ، وخيرُ الوصيةِ وأجمعُها وأعظمُها على الإطلاقِ وأشرفُها : الوصيةُ بتقوى اللهِ عز وجل ، التي وصى اللهُ بها الأولين والآخرين ، وذكّرَ بها الأنبياءَ والمرسلين ، وحثَّ عليها الأخيارَ والصالحينَ فقالَ في كتابِهِ المبين: ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً ) اتقوا اللهَ فإن اللهَ يهدي بالتقوى من الضلالةِ ،ويعلمُ بتقواهُ من الجهالةِ،يقولُ سُبحانه ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ويقولُ سبحانه : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) .يا معشرَ الطلابِ: تذكروا حديثَ رسولِ اللهِ :كما عند الترمذي { مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِىَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِىَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ }.يا معشرَ الطُّلابِ: إذا سلكتُمْ سبيلَ العلمِ ، فاذكروا قولَ رسولِ اللهِ : { مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ } أشرفُ العلومِ وأزكاها ، وأحبُّها إلى اللهِ جل وعلا ، علومُ الدينِ ، وأشرفُها علمُ العقيدةِ والإيمانِ ، ثم علمُ الشرائعِ والأحكامِ ، فجدُّوا واحتسبوا، فالأمّةُ تنتظرُ منكم خيراً كثيراً، وما ذلك على اللهِ بعزيزٍ: ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) إذا عَلِمَ اللهُ في قلبِكَ ، أنك تُريدُ أن تكونَ من أهلِ العلمِ الصُّلَحَاءِ ، ومِن الأخيارِِِِ العلماءِ الأتقياءِ وفقَكَ وسددَكَ ، وألهمَكَ ويسرَ لك الخيرَ حيثُما كُنتَ ، كما أنَّ الأمةَ تريدُ العلماءَ ، وتُريدُ من يقوم ُبثغورِ الدينِ ، فإنَّهَا كذلك ، تُريدُ من يَقومُ بسدِّ ثغورِ الدُّنيا، تنتظرُ العلومَ على اختلافِها ، ما لم تُعارضْ شريعةَ ربِّنا، تنتظرُ الطبيبَ بطبِّهِ ، والمهندسَ بهندستِهِ ، وكلَّ عالمٍ ينفعُ الأمةَ بعلمِهِ ، فالأمةُ تَنتظرُ منكم الخيرَ الكثيرَ، فجدُّوا واجتهدوا، واعلموا أن الغَاياتِ والأهدافَ النبيلةَ ، لا تُدرَكُ بالمنام ِ، ولا تُطلبُ في الأحلامِ ، ولكن تُريدُ الجِدَّ والاجتهادَ ، والكفاحَ والصَّبرَ ، والصلاحَ والإصلاحَ ، فإذا أخذَ اللهُ بيدِ عبدِهِ ، وفقَهُ وفتحَ لهُ أبوابَ الخيرِ ويسرَها له ، أتقنوا يا معشرَ الطُّلابِ العلمَ ، ولا تَرضَوا بالقليلِ ، واسْمُوا إلى المعالي ، وتَخَلَّقوا بالأخلاقِ الكريمةِ والفضائلِ ، واجتنبوا سفاسفَ الأمورِ والرذائلِ ، واجتنبوا إضاعةَ الحصصِ والمحاضراتِ، في الضَّحكِ واللهوِ ، فأنَّ هذا دَمارٌ لكم ، وإن كان يصنعُهُ غيرُكَم فاردَعُوه ، فإنه يُؤذيكم في مُستقبَلِكم ، ويُضيعُ عليكم في تحصيلِكم ، فتعاونوا رحمكم اللهُ ، للبلوغِ إلى المصالِحِ العظيمةِ ، ودرءِ المفاسدِ الكثيرةِ ، وصلوا وسلموا على خير خلقِ الله ، الرحمةِ المهداة ، والنّعمةِ المسداة، فقد أمركم الله بذلك ، بقولِهِ جل في عُلاه: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)