المقدمة الثانية: في معايرة الذات
فالإنسان لما يشعر بتحقيق الوعي بالذات، ويجد نفسه منخرطا فكرا وعملا في نظام الجماعة التي يعيش فيها، فإنه يتوجب عليه أن ينطلق من مرحلة التفتيش عن أسس الوعي بالذات إلى مرحلة المعايرة.
وتقتضي هذه المرحلة طرح بعض الأسئلة من قبيل: هل أنا واضح مع ذاتي؟ هل أعيش داخل الجماعة بوعي حقيقي أم بوعي مقنع؟ ما مدى مطابقة ظاهري باطني في القول والعمل؟
حين ننتهي من طرح هذه الأسئلة (وغيرها مما له تعلق بالموضوع) فإن الوضع يزداد تعقيدا لدينا بل يحتد الخصام بين النفس القويمة المطمئنة وبين النفس العليلة المتقلبة، إلى درجة ينشطر فيها الفكر فنصبح أمام فكرين غير متطابقين من حيث المنطلقات والغايات مما يستدعي دخول حكم للتقويم والتوفيق، وهذا الحكم هو الوعي بالذات.
إن النفس القويمة المطمئنة تقبل بمبدأ المعايرة لأنها تنبذ شئا اسمه القناع، ولهذا فهي ترفل في الحرية والكرامة والعزة والاستقلال، وكل همها أن تسعى في إرضاء وعيها. أما النفس العليلة المتقلبة فأشد شيء تكرهه هو مبدأ المعايرة؛ لأنها تتخفى تحت أقنعة كثيرة، ولا تستطيع مواجهة وعيها الحقيقي، وتعيش بفكر إمعي، تلهث وراء نيل رضى خارج عن وعيها، ولهذا فهي مسلوبة الحرية والإرادة.
(انتظروا المقدمة الثالثة)
كل من أبدى لنا عوارا في هذا الكلام فنحن نشكره ونأخذ بنصائحه في تطوير منهجنا التجريبي في الكتابة الفكرية)