مُعَمِّرُو وزارة التربية الوطنية:
احتلال أم اختلال
المصطفى سنكي
الخميس 25 أكتوبر 2012 - 11:10
هرولة إلى
الأمام:
بتأشيره
على نشر قائمة محتلي السكن الوظيفي يلتحق وزير التربية الوطنية بزميليه في الحكومة
وزير التجهيز والنقل والوزير الوصي على مؤسسات المجتمع المدني؛ وإذا كان كشف لائحة
المستفيدين من رخص النقل البري جاء في سياق حساس ـ نسبيا ـ إذ تزامن من نشر كتاب
عن ثروة الملك وهيمنة المؤسسة الملكية على مفاصل الاقتصاد الوطني ومصادر الثروة،
بهدف شغل الرأي العام وصرفه عن قراءة الكتاب، فإن كشف لائحة المستفيدين من السكن
الوظيفي جاء في سياق مختلف، خاصة بعد أن ملأ السيد وزير التربية الوطنية دنيا
المغاربة وشغل بالهم بمواقف لا تتناسب وطبيعة الوزارة التي يشغلها، ولو على
المستوى الشكلي والبروتوكولي. لذلك، فقرار نشر أسماء محتلي السكن الوظيفي ليس
بريئا، مثلما كان قرار كشف قائمة المستفيدين من رخص النقل البري. وإلا ماذا بعد
النشر؟ وأي إجراء عملي اتخذ في هذا الباب؟ وهل يستطيع السيد الوزير "الوفا" تحرير البيوت الوظيفية
المحتلة؟ أم أن الوزير هو من سيتم الاستغناء عن خدماته عند أول محطة تعديل حكومي
مرتقب؟
احتلال
السكن الوظيفي:
تضمنت
قائمة محتلي السكن الوظيفي أسماء شخصيات بارزة في قطاع التربية الوطنية: وزير،
كاتبة دولة، مفتش عام للوزارة، مدراء أكاديميات، نواب إقليميون... وبغض النظر عن
توقيت وسياق كشف أسماء المعمرين في السكن الوظيفي بالوزارة، فإن الحدث ـ الاحتلال
ـ لا يخلو من دلالات، منها:
ـ إن هذا
السلوك المنافي ليس للقانون فحسب، بل للسلوك الحضاري الذي يستأمن القيمون على
الحقل التربوي على ترسيخه في نفوس الأجيال، والحرص على إعطاء المثل في الاستقامة
واحترام القوانين. لذلك، يمكن اعتبار هذا السلوك إيذانا بإفلاس المنظومة التربوية
ككل، فبأي وازع يمكن متابعة المخل بواجب مهني؟ وما مصداقية مذكرات تتوعد من تقاعس
في أداء مهامه موقعة من طرف وردت أسماؤهم في قائمة المعمرين؟
ـ إن هذا
السلوك وما قابله من سكوت الجهات المختصة بعدم تفعيل المساطر القانونية المعروفة
مؤشر على تغلغل الفساد الإداري في قطاع حيوي يراد له أن يكون قاطرة تخليق الحياة
المجتمعية. فعلى أي تأهيل تربوي وعن أية تربية على المواطنة يمكن أن نتحدث؟
"والفقيه لِتَنْسَنّاوْ بَرَاكْتُو دخل الجامع بِبَلْغتُو" كما يقول
المثل الشعبي.
ـ إن تفعيل
المساطر القانونية وتطبيقها على صغار الموظفين الذين لا سند يحميهم، ولا خط يربطهم
بالجهات النافذة مؤشر على بوار المنظومة الأخلاقية وعلى خراب عام يتهدد المجتمع.
وفي الحديث النبوي: "... إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم
الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد...".
احتلال
السكن الأسري:
وحيث إن
الشيء بالشيء يذكر، وجب التنبيه إلى احتلال سكن أسري، بطله السلطة تنفيذا لتعليمات
فوقية. الأمر يتعلق بما يعرف في قاموس جماعة العدل والإحسان الحقوقي بـ"البيت
الأسير"، حيث أقدمت السلطة قبل ست سنوات ـ2006ـ على تشميع بيت الأستاذ محمد
عبادي عضو مجلس إرشاد الجماعة بوجدة وبيت الأستاذ الحسن عطواني عضو الجماعة
ببوعرفة دون أي سند قانوني.
ولعل
القاسم المشترك بين الاحتلالين هو تعطيل القوانين والضرب بها عرض الحائط، فإذا
كانت وزارة التربية الوطنية عاجزة عن تطبيق المساطر في حق محتلين من عيار ثقيل
لمساكنها الوظيفية لاستقوائهم بعلاقة مباشرة أو غير مباشرة بصناع القرار في
البلاد؛ فإن ذات الإدارة في شخص السلطات الترابية عاجزة عن رفض تطبيق تعليمات عليا
مهما كان خرقها للقانون سافرا وفاضحا، بل إن الأستاذين محمد عبادي والحسن عطواني
لما رفعا مظلمتها إلى القضاء طلبا لإنصافهما وتمكينهما من مسكنيها كان الجواب
صادما: "عدم التخصص". ترى، لو ترامى شخص على مِلك شخص آخر واحتله قسرا،
هل كانت ستقضي المحكمة بعدم التخصص وتُشرعن للفوضى و"السيبة"؟
وجهان
لعملة فاسدة:
إن احتلال
البيوت الوظيفية واحتلال بيوت الناس بغير وجه حق وتشميعها دليل قاطع على اختلال
الموازين، فاحتلال السكن الوظيفي ليس سلوكا معزولا، بل ترسخ ثقافة عامة في
المجتمع، تتغذى من الريع والامتيازات التي يرتكز عليها النظام السياسي. وحيث إن
منظومة الريع والامتيازات لم تستأصل، وتماسيحها لم تروض، وعفاريتها لم تُرصد وتصفد
وتوضع في القماقم السليمانية ـ نسبة لنبي الله سليمان عليه السلام ـ فقرار كشف
المستفيدين من امتيازات هنا أو هناك لا يعدو أن يكون نفخا في رماد.
إن القطع
مع هكذا سلوكات يتطلب استئصال الاستبداد المغذي والراعي للفساد، وهذا يحتاج إلى
إرادة سياسية حقيقية ووعي شعبي يترجمه ويختزله شعار الربيع العربي: "الشعب
يريـدُ ...".