تسعى إسرائيل من خلال إعلانها الحرب على "قطاع غزة" إلى جس نبض الشارع العربي بعد ما عرفه من حراك اجتماعي أطاح ببعض الحكام الغاضين الطرف عن سياستها البربرية والإرهابية. فلقد ابتدأت الشرارة الأولى مع حرق البوعزيزي لنفسه ليتوالى الحراك إلى درجة لم يجد معه بن علي مناصا إلا الرحيل والتحليق في الفضاء مفاوضا ومستعطفا عن وجهة الاستقبال، وبما أن بن علي يحمل في العرف السياسي لقب "رئيس" فقد أبت الجمهوريات العربية استقباله على أراضيها مخافة أن ينقل معه "النحس السياسي" المتمثل فيما بات يعرف ب"الربيع العربي" ليحط في الأخير هذا النسر الذي قصت أجنحته بأحد نوادي الملكيات العربية بالمشرق العربي.
سقوط الرأس التونسي لم تعر له الدولة العبرية أي اهتمام لأنه في اعتقادنا بعيد من حيث المد الجغرافي عن الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن ما إن انتقلت لعنة الربيع العربي إلى هرم السلطة في مصر حتى بدت مخاوف الدولة العبرية تظهر في طي تصريحات قادتها الذين سارع بعضهم إلى مدح مبارك واعتباره شريكا في صنع السلام العربي الإسرائيلي، وأصبح الخوف العبري جليا بعدما امتد النقاش السياسي في مصر إلى طرق باب تعديل معاهدة كامب ديفيد بين الدولتين، وتأكيد القوى السياسية بمصر على حقها في مضاعفة جنودها بصحراء سينا وضرورة تحكمها السياسي والسيادي في معبر رفح.
وكان لصعود مد الإسلام السياسي في الدول التي عرفت الربيع العربي النصيب الأكبر في إذكاء المخاوف الإسرائيلية من هذا التحول والانتقال إن على مستوى الحكم أوعلى مستوى الأدبيات والأفكار السياسية والدينية التي يتسم بها خطاب الإسلام السياسي في المشرق والمغرب.
فإسرائيل دولة دينية بامتياز تحتكم إلى مقولات التلمود والمشنا، وترى في يهودية دولتها استرجاعا لتاريخ غابر واعترافا سياسيا بحقها الجغرافي في أرض الفلسطينين، وحين يتحقق لها هذا المكسب يصبح حلم إقامة مملكة يهودا واقعيا وإذنا بعودة المخلص الإسرائيلي ليقود شعب الله المختار في حربه النهائية. وفي المقابل يقوم خطاب الإسلام السياسي في جزئه الأكبر على ضرورة تحرير المقدسات الإسلامية من يد الاحتلال الإسرائيلي وبخاصة البيت المقدس الذي سعت الدولة العبرية في الآونة الأخيرة إلى الإسراع بتهويد معالمه التاريخية.
فالحرب المعلنة من قبل الدولة العبرية ضد الغزاويين تقابلها حرب مضمرة في خطاب الإسلام السياسي، (فما كان مسموحا به لإسرائيل في السابق لم يكن متاحا اليوم) يعلق أحد قادة الإسلام السياسي بتونس.
ففي حربها على غزة في السابق لم يستطع أي من قادة العرب زيارة القطاع، بل وصل الأمر برأس السياسة المصرية حينها أن أذاع بأنه لن يفتح معبر رفح إلا بإذن من إسرائيل، ولكن اليوم وفي ظل الحرب على القطاع نجد قادة سياسيين رفيعي المستوى يطمئنون على الغزاويين ويعلنون لهم التضامن العربي معهم المطلق انطلاقا من غزة.
راهنت إسرائيل على هيجان الشعب العربي لتقيس به رد فعل قوى الإسلام السياسي، وتغافلت أن الغزاويين الذين يعيشون تحت رحمة موت القنابل وتشوهات الفوسفور الأبيض قادرين على قلب المعادلة في حرب غير متكافئة بوصول صاروخ إلى مشارف تل أبيب.