يستتبعُ القول بالحق في التعليم في مرحلةٍ تشهدُ على ما يقالُ إنها جهودٌ "حثيثة لإصلاح" القطاع، طرح أكثرَ من علامة استفهام حولَ صدق الخطاب الرسمي، الذي يرددُ عرابوه دونَ كللٍ أن أبناء المغاربة متساوون كأسنان المشط في اعتباراتهم وسياساتهم، لا يفوقُ الواحد منهم الآخر، بيدَ أنَّ جانبَ الممارسة يُبينُ عن أمور تفندُ تلك الادعاءات، ويجعلُ الحق في التعليم؛ وهو حقٌّ قرنه عميدُ الأدب العربي، طه حسين بالحق في الماء والهواء" ، موضوعَ متاجرة واسترزاق، أو غير مكفولٍ بصورة مقبولة لمن جارَ عليهم الزمان وشاءت الأقدار أن يروا النور في ربوع المغرب العميق.
مجانية التعليم لا يمكنُ أن تختزل كما يقتضي المنطق، في مجيء أستاذ قد يأتي وقد لا يأتي، مثل غودو في رواية صمويل بيكيت، ليواجهَ حشداً غفيراً من التلاميذ يصلحُ جمهوراً لمباراة مفصلية أكثر منهُ قسماً لتلقين المعرفة وتنشئة أجيال الغد، بلْ يتجاوزُ إلى نقاش أرحب. وربَّ سائل قد يتساءل هُنا وماذا عسى الدولة أن تفعلَ أكثر من توفير رجل التعليم وتأمين المرافق الضرورية؟ لنسيرَ إلى القولِ إن البنية التحية وإن كانت على حظِّ كبير من الأهمية، فإنها لا يمكن أن تختزلَ بأي حالٍ من الأحول تأمين الحقّ في التعليم في شموليته، لأن لهذا الأخير تمظهراتٍ أخرى لا تبدو حاضرةً في مدارسنا وجامعاتنا؟
ففي الوقت الذي تجدُ فيه أبناء الصفوة قد شارفوا على إتمام دورة من دورات العام الدراسية في معاهدهم الخاصة، لا يزالُ الطلبة في بعض جامعات الدولة يرتبون أمور البداية، سيمَا أن عيدي الفطر والأضحى قد تزامنَا هذا العام مع فترة الدخول المدرسي، وإن هُم رتبوا تلك الأمور وجدُوا نفسهم كالمتسكعين، يجولون المدن بميزانية طالب، بحثاً عن مأوى لا يرجون فيها أكثر من سقف يقي برد الشتاء ومصباحٍ يضيء ما بينَ دفتي كتاب، ولعَلَّ الطلبة هم من يفهمُ أكثر من يغيرهم معنى الوقوع تحت رحمة مصاصي الدماء من المضاربين والسماسرة. ناهيكَ عن منحة هزيلة لا تسمن ولا تغني منة جوع، وصراعات وفوضى لم تجد من يوقفها وغدت تستأثرُ بما تبقى من الزمن المدرسي تأجيلاً لموعد تحصيلٍ حقيقي إلى أجل غير مسمى؟
الحقُّ في التعليم، يعنِي أن تنبريَ الدولة لتأمين مختبرٍ لطلبة العلوم يوازي ما يتمُّ شحنهم بهِ من نظريات راكمها العلماء عبرَ العصور، كمَا أن ضمانَ التعليم يعني منحةً محترمة تقي طالبَ الجامعة شرَّ الفاقة في بلدٍ يقدم منحاً للطلبة الأجانب في إطار التعاون الدولي.
الحقُّ في التعليم لا يمكنُ أن يؤمنْ ما لم يكنْ هناك إيفاد لأبناء الشعب شأنهم شأن غيرهم للدراسة في الخارج للاستفادة من منح لم يسمعوا بها يوماً ولا يدرون كيفَ تقدم ووفق أية معايير.
الحقُّ في التعليم لا سبيلَ إليه، ما دامتْ فتاة في جبال الأطلس تصارع بيديها الخشنتين لتكتب اسمها باعوجاج، فيمَا تتلقى قرينتها بالعاصمة دروسَ الأيروبيك وأخرى في لغات العالم الحية، إنهَا معادلة غيرُ متكافئة، ومن ثمَّ يحقُّ لنَا ألا نذرَ كلاماً في "الحقّ" يمر مرور الكرام.