الحسين شكور
عدد المساهمات : 62 تاريخ التسجيل : 26/09/2012
| موضوع: الأسرة المثلى مشكلات وحلول الجزء العاشر السبت أكتوبر 20, 2012 4:00 pm | |
| (10)
الوسطية والاعتدال في الإسلام يُسعدني ويطيبُ لي أن أكتبَ في الوسطية والاعتدال اللذين دعَا إليهما الإسلام، لأذكِّرَ المسلمينَ في العالم الإسلامي عامة، وفي أمريكا خاصة بذلك، وقد رأيتُ منهم إسرافاً في كثير من شؤون الحياة، بعد أن عشت في ربوعهم شهراً كلاماً، أخطُب وأحاضِر في عدة ولايات ومدن.رأيت إسرافاً في السعي وراءَ الدنيا وجمعِ حُطامِها ومالها، على حساب إهمال الزوجة والأولاد، والأنس بهم وتوجيههم إلى مراشد الأمور ومكارم الأخلاق.وإسرافاً في النفقة على الأثاث واللِّباس والمأكل والمشرب ومتع الحياة الأخرى، تُوكَّلُ المرأة بإحضار كل حاجات البيت، والإشراف على إصلاح شؤونه وآلاته والعناية بأحوال وشؤون الأولاد داخل البيت وخارجه، مما يُعرِّضها وبناتها إلى كثير من الاختلاط بالرجال الغرباء، وهذا بلا ريب مَزلق من المزالق التي لا تُحمد عقباها، ولاسيما إذا غدا عادةً وديدناً، لا يُستغنى عنه في مجتمع فيه من الانطلاقات من قيود الشرع والآداب، ما يخجلُ الإنسان أن يذكرَه. ولكم آلمني أن أراهم وأولادهم يتقنون اللغة الإنكليزية نطقاً وكتابةً بطلاقة، على حين لا يُحسنون التكلُّم باللغة العربية، بل يُخطئون فيها كثيراًن وهي لغة القرآن والإسلام، ولو بذلوا جزءاً مما يبذلونه للترف في سبيل بناء أو إنشاء مدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية لأولادهم لتعلُّم اللغة العربية والعلوم الشرعية، لكان لأولادهم حظ وافر في فهم الدِّين والتمسك به، ولكان لهم بذلك ثواب جزيل.ويُؤسفني أن أقولَ: إن الفرد فيهم يحدثك، فتجد منه الغيرة على الدِّين واللغة العربية، حتى إذا درسته ضمن المجموعة، رأيته قليل البذل أو بخيلاً بكل جهد أو عطاء أو إنتاج، ينقدُ غيرَه ممن يعملُ في مجال الدعوة لله تعالى، ولا يقدّم هو شيئاً في طريق البذل والعمل، ويلتمس لتقصيره وإهماله أعذاراً غير مقبولة ولا معقولة. والمسلم في ديار غيره منظور إليه، وعليه أن يكون قدوة في أفعاله وأقواله وسائر أحواله، وهو واقف على حصن الإسلام، يحمي جانباً منه، فلا يجوز أن يُؤتى الإسلام من قبله، أو أن يطعن فيه إذا أساءَ السلوك. والإسلام يدعو إلى حسن المعاملة مع سائر الناس مسلمهم وغير مسلمهم، فكثير من بلاد المسلمين دخلَ الإسلامُ إليها عن طريق القدوة الصَّالحة من تاجر أمين أو سائح شريف، والنصوص كثيرة في القرآن الكريم:]وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ [ [الأعراف: 85]]وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ[ [البقرة: 60]]وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً[ [البقرة: 83]وفي الحديث الشريف: «وخالقِ النَّاسَ بخلقٍ حَسَن»([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) والمسلم لا يُؤثِّر في غيره إلا إذا كانَ سبَّاقاً لتنفيذ ما يدعو إليه، والنفس تتأثر بالأفعال أكثر مما تتأثر بالأقوال، والمؤمن المسلم مؤتمن على دينه عليه أن يدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة باللطف والرحمة، والحلم والإقناع والقدوة الحسنة الصالحة، ونجاح الداعية يكمن في أن يتبعه الناس طواعية.ولا يتوفر ذلك إلا إذا عاشَ ودعا إلى حياة الوسطية والاعتدال، وهي الفطرة الإلهية التي فطرَ الناس عليها وفيها السعادة كل السعادة، قال تعالى:]وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً[ [البقرة: 143]والشاهد لا تُقبل شهادتُه إلا إذا كان صادقاً مستقيماً اشتهر بذلك وعُرف.فالمسلمون ينظرون إلى غيرهم، ويشهدون، فما رأوا من خير أقرُّوه، وما رأوا من شر نصحوا بإزالته، ودعوا إلى كل معروف، ونهوا عن كل منكر بحجة وأناة وصبر وإقناع.ومن دعا إلى معروف فليكن أمره بمعروف.والفئة الوسطى هي معدن الخير في كل أمة، وأفرادها هم أهل العافية والرضا والاستقرار، لأنهم ارتفعوا عن مَنْزلة الفقر المدقع، وعافاهم الله من بلاء الغنى الفاحش الذي يؤدِّي في أغلب الأمور إلى الطغيان:]إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى[ [العلق: 6-7]وقد أجمعَ المفسرون على أن الوسط هم خيار الأمة، قد وضع الله تعالى بين أيديهم سُنن الفطرة وقواعد العدل وأحكام التشريع الإنساني، فكان لهم من ذلك ميزان تزن أخلاق الأمم وأحداث التاريخ، فتشهد على الأفراد والجماعات بما تدلُّ عليه موازين هذه السنن والقواعد والأحكام.إن مدارَ هذه الشهادة على الناس بموازين الإسلام قائم على الاعتدال وأن تكون الطبقة الوسطى من هذه الأمة هي صاحبة النسبة الكبرى في تعدادها، لأنها معدن الخير، فالوسط خير الأمور وهو لسان الميزان أي هو العدل والاعتدال.ذلك أن الزيادة إفراط والنقص تفريط وتقصير، وبالإفراط والتفريط يخرجُ الناس عن الصراط المستقيم. والاعتدال مطلوبٌ في كل شيء حتى في أمور العبادات، فقد وردَ النهي عن الغلوِّ فيها، كما ورد النهي عن التفريط بها والتقصير فيها. والله تعالى يحبُّ من الأعمال أدومَها وإن قلَّ، وهو تعالى لا يملّ من ثوابنا حتى نمل من عبادته، والملل لا يأتي إلا من الكَلَل، والكلل من المبالغة. لقد كتبَ الله النجاح للإسلام على أيدي أصحاب الرسول r، لأنهم كانوا أمةً وسطاً، أعطوا أجسادهم حقَّها من الوقاية والرعاية، وأنفسهم حقَّها من التطهير والتهذيب، وجيرانهم حقهم من حسن الجوار وجميل العرفان، وفقراءهم حقَّهم من البر والإحسان، ودينهم حقَّه من الزجر والتأديب والنصيحة. فأعطوا كلَّ ذي حق حقَّه، وكانوا شهداءَ على الناس بما أدّوا من هذه الحقوق، أو أهملوا أو فرّطوا، ورضوا بالرسول r شهيداً عليهم.والإسلام لا يمنع أهلَه أن يكونوا من أهل الثروة والغِنى، فنعم المال الصَّالح في يد العبد الصالح. ولكنَّه سلّط على أموالهم وجائب كثيرة، تُفَتِّتُ الثروةَ، وتحمي المجتمع، وتمنع الكنَز، وتربطُ بين أفراد الأمة برباط الرحمة والأخوة والمودة والإحسان.بحيث يتنَزّه الجميع في سيرتهم عن كل طغيان أو ظلم أو أثرة، كل فرد فيهم نقيُّ النفس، عفُّ اللسان، طاهرُ الذيل، كريم اليد، وباذل لجهده في سبل الخير، أكرمهم عند الله أتقاهم. في سلوكها وأخلاقها، سعيدةً في مواردها وطاقاتها، مستقيمةً في حياتها على الحق، قوية على أعدائها مرهوبةَ الجانب.الغني فيها مسرورٌ، والفقير مجبور، والظالم مقهور، والمظلوم منصور، فلنكن تلك الأمة الوسط التي أرادها الله تعالى، لحمل رسالة الحق، نفلحْ ونكنْ من المهتدين. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([1]) رواه الترمذي | |
|