الحسين شكور
عدد المساهمات : 62 تاريخ التسجيل : 26/09/2012
| موضوع: الأسرة المثلى مشكلات وحلول الجزء الثاني عشر الإثنين أكتوبر 22, 2012 10:05 pm | |
| (12)
كيف نُرَبِّي أبناءَنَا
على حُبِّ لغتهم العربية وتَعلُّمِها في أوائل سورة يوسف قوله تعالى:]إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[ [يوسف: 2]وفي أوائل سورة الزخرف قوله تعالى:]إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[ [الزخرف: 3]وفي الآيتين إشارة لطيفة إلى أن من أراد أن يعقلَ القرآن الكريم ويفهمه حق الفهم، فعليه أنْ يتفهَّمَ اللغة العربية، ويدرسَها دراسةً واعيةً، ويقف على كثير من أسرارها وقواعدها وبلاغتها، فهي السبيل إلى تدبر كتاب الله تعالى والإفادة منه والتأثر به مع الإخلاص في التدبر والإقبال.ولقد شرَّفَ الله تعالى هذه اللغة العربية باختيارها لغةً لقرآنه الكريم، كما شرّف الأمة العربية باختيارها أول الأمر لحمل رسالة الإسلام إلى الناس كافة، وحفظ كتابه الكريم من كل نقص أو تحريف أو تبديل أو تشويه:]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[ [الحِجْر: 9]فحفظت معه اللغة العربية الفصحى، وبقيت أداة التخاطب بين المسلمين على مدة الدهور والعصور، ولها أهمية بالغة في جمع شمل العرب والمسلمين والتفاهم فيما بينهم، فهي رابطة وثيقة تؤلف بينهم في إطار الدين الصحيح والعقيدة السليمة.ولولا القرآن الكريم لتفرعت إلى لغات ولهجات كثيرة، مما يجعل التفاهم بين أهل بلد وبلد عسيراً بل مستحيلاً، كما حصل للغة اللاتينيّة التي تفرعت إلى لغات ولهجات كثيرة، تختلف كل منها عن الأخرى اختلافاً كبيراً.ومصادرُ اللغة أية لغة ثلاثة:1- تعليم إلهي قال تعالى:]وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا[ [البقرة: 31]أي: علَّمه لغة التخاطب مع قومه، لأن الله تعالى ما أرسل رسولاً إلا بلسان قومه ليبين لهم، ثم علَّم ذريته على اختلاف ألوانهم وأعراقهم لغة التخاطب بينهم، ولا شك أن كثرة اللهجات وتنوع اللغات، واختلاف الألوان والألسنة في العلم، مما يصعب حصرُه، يدلُّ على عظمة الخالق، قال تعالى:]وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ[ [الروم: 22]وألمح معنًى خفياً تشير إليه آية:]وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا[ [البقرة: 31]أن الله يطالب عباده أن يتعرفوا على قوانين الكون وأسراره وعلومه وأن يعرفوا وظيفة كل شيء في الوجود، وآثاره وفوائده ليفيدوا منه سعادة وبركة وخيراً، ويطلقوا عليه الاسم المناسب لطبيعته ووظيفته، إذ تسمية الشيء فرع عن خصائصه ووظائفه وآثاره وطبيعته. وفي ذلك حث على النهوض المستمر والتقدم المتواصل نحو الأفضل والأكمل في كل علم وشيء.2- الاشتقاق بأنواعه الصغير والكبير (والكبّار وهذا يسمى النَّحت) وهو اشتقاق لفظ صغير من جملة طويلة يُعطي مدلولها، ويغني عنها، كقولنا: «حوقل» لمن قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.ومن الاشتقاق أن نشتق من العلم أو علمَ، كلمات كثيرة منها عالم، وعليم، وعلاّمة، ومعلوم، ومعلّم، ومعالم و...3- محاكاة الطبيعة، فأنت تجد في قواميس اللغة: نباح الكلب – عواء الذئب – مواء القطة – زقزقة العصافير – حفيف الأشجار – فحيح الأفاعي – نقيق الضفادع – هديل الحمام – اصطكاك الأسنان و...ولو تأمّلت كلَّ كلمة لرأيتها تحاكي وتشبه الصوت الذي يخرج، فيسمع في الطبيعة من الحيوان أو الشيء الذي أُضيفت ونسبت إليه؛ مما يجعل اللغات في تطور وازدياد دائم، واللغة العربية أجمل اللغات وأفصحها لفظاً، وأحلاها سماعاً، وأعذبها، وأوسعها وأكثرها اشتقاقاً، ومحاكاة للطبيعة والواقع.ولقد كان سيدنا محمد r أفصحَ من نطق بالضاد، وكان يعنى باللغة، ويحض على فهمها، وتدبر القرآن الكريم على ضوئها، ويُشير لهم إلى بعض أسرارها وقواعدها حسب المناسبات. فقد وردَ أنَّ÷ نزل قوله تعالى:]فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً[ [الشرح: 5-6]بشرهم عليه الصلاة والسلام وقال: «لن يغلبَ عُسْر يُسرين»([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) إشارة منه إلى أن الآيتين الكريمتين تدلان على أن كل عسر يعقبه يسران.لأن المعرفة إذا تكررت لا تتعدد، أما النكرة فإنها إذا تكررت تعددت، والعسر في الآيتين معرفة فهو واحد، وكلمة يسر أتت في الآيتين نكرة فهما يسران. فكلُّ عسر وراءه يُسران وكل شدة وراءها راحتان من لطف الله وكرمه.وروت كتب السير والتراجم والأدب: أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رأى رجلاً يخطئ في رمي السهام وهو يتدرب للقتال، ثم سمعه يخطئ في اللغة العربية، وهو يخاطب زملاءَه، فقال له: «والله إنَّ خطأكَ في اللغة أشدُّ علي من خطئك في الرمي» وقال: «تعلَّموا العربية السليمة كما تتعلمون الفرائضَ والسُّنن» وقال: «تعلَّموا العربيةَ فإنها تقوِّي العقل وتزيدُ في المروءة والفهم».وقال عبد الملك بن مروان: «اللَّحن في المنطق أقبحُ من آثار الجدري في الجسم».وقال الحسنُ البصري رحمه الله: «إني لأخشى إنْ دعوتُ اللهَ فلحنتُ – أي: أخطأت – في الدعاء أنْ لا يُستجابَ لي».وورد عن المأمون أنه قال لولده: «يا بني تعلَّمِ العربيةَ فبها تُصلح لسانَك، وتفوقُ أقرانَك، وتُقيم أَوَدَك: - معيشتك - وتَزين مجلسك، وتُبطل حجة خصمك بمسكتات حكمتك».وكان الفقهاء والعلماء لا يرون الصلاة خلف من يلحن ولا يتقن العربية، لأن تغير حركة أو حرف قد يُؤدي إلى معصية أو خطأ فاحش يُبطل الصلاة.ففي أوائل سورة التوبة قوله تعالى:]وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ[ [التوبة: 3]فكلمة ورسوله الثانية مرفوعة، والواو قبلها للاستئناف، وهي مبتدأ خبره محذوف، التقدير: ورسولُه بريءٌ من المشركين أيضاً.ولو نصبتَ: ورسولَه، لصحَّ الكلامُ على العطف، والتقدير: إن الله بريء من المشركين وإنَّ رسولَه بريءٌ منهم كذلك.أما لو أخطأ الإمامُ لجهله باللغة فجرّ كلمة (ورسوله) الثانية بالكسرة – لا سمح الله – لوقعَ في خطأ فاحش يُسيء إلى الصَّلاة، لأن المعنى يكون عندئذ أنَّ الله بريء من رسوله، وهذا غير صحيح، فالله يحبُّ رسولَه، ويؤيده وينصره.ولذا كان السَّلفُ يعوِّدون لسانهم على الصواب، وعدم اللحن في الجدِّ والهزل، وكانوا يقولون: اللحن ليس من المروءة.قال رجل لسعيد بن عبد الملك وهو يُودعه لسفر: أتأمرني (بشيئاً)؟!.فقال له سعيد: «نعم، آمرُك بتقوى الله وإسقاط الألف» أي: أن تقول بشيءٍ؛ لأنها مجرورة بالباء، وقوله يدلُّ على أنه يرى أنَّ إصلاحَ الكلام وتصويبه وفصاحتَه من التقوى حيث قرن بينهما.وقال رجل للأعمش: من أين أقبلت؟ قال: من السوق – وماذا اشتريت؟ قال: اشتريت عسلاً بالنصب، لأنها مفعول به.وكان واجب الرجل أن يقول له: هلا زدتَ في العسل ألفاً، لأنها مفعول به لفعل زدت، والأعمش من أهل العلم، وأدرك خطأه غير المتعمد وخطأ الرجل معه، فصحَّحَ كلامَه وكلامَ صاحبه. وهكذا كانوا يرون الخطأ في اللغة عيباً كبيراً فيسارعون إلى نصح المخطئ وتصويب كلامه.ورحم الله القائل: النحو يُصلح من لسانِ الأَلْكَنِ
|
| والمرءُ تُكرمُه إذَا لم يَلْحَنِ
| وإِذا أردتَ من العُلوم أجلَّها
|
| فأَجلُّها منها مقيمُ الأَلْسُنِ
| ومن طريف ما قرأت في الشعر هذان البيتان:اعتذر شاعر عن تقصيره في البلاغة والفصاحة والعلم، لأن قومَه لا يقدِّرون ذلك – وهذا ليس عذراً مقبولاً منه – فقال: إذا شاهدت في علمي فتورَاً
|
| ونُطقي والفَصاحِةِ والبيانِ
| فلا تعجبْ لذلك إنَّ رقصي
|
| على مقدار إيقاعِ الزمانِ
| واللغة الفصحى التي ندعُو لتعلمها، والنطق بها هي اللغة الجميلة السهلة العذبة الواضحة، التي تَنْزل على قلب وسمع الناس برداً وسلاماً، كأنها الماء العذب الزلال، يقدَّم لعطشان على حر وتعب؛ فيجيبه وينعشه.وإذا كان القرآن الكريم، وهو أعظم ما عرفت البشرية كلها من مبدأ وعلم ومنهج، قد يسّره الله للذكر والفهم، فجدير بنا أن نسلك سبيل التيسير في حياتنا قولاً وعملاً:]وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ[ [القمر: 22]أما التقعر في اللغة والتشدُّق فيها، واختيار الألفاظ الصعبة منها مما يحتاج السامع معها إلى الرجوع إلى القواميس اللغوية، فهذا ليس مشكوراً في الكلام.وأضرب لذلك مثلاً بعض ما ورد عن أبي علقمة النحوي الذي كان يُحبُّ التقعر في الكلام، فقد سأل خادمه يوماً: أصقعت العتاريف؟ فلم يفهم خادمُه شيئاً فأراد أن يجاري سيده في التقعير، فبالغ وأتاه بكلام لا معنى له، فقال له: زقفيلم. فقال له أبو علقمة: أعدْ ما قلتَ لم أفهم ما تريد. فقال: وأنا كذلك لم أفهم ما تريد.قال أبو علقمة: أردت من قولي أصقعَت العتاريف؟ أنْ أسألكَ: أصاحت الديكة؟ ولو رجعتَ إلى المعاجم لرأيت هذا المعنى.فقال له الغلام: وأنا أردت من قولي زقفيلم: أن أجيبك: لم تصح الديكة. ولو رجعت إلى المعاجم لما رأيت هذه الكلمة.كما وردَ أن أبا علقمة نفسه وقع مغشياً عليه مرة، فظنَّه الناس مصروعاً، فأخذوا يُعالجونه ويدعون له بالشفاء، فلما صحا من صدمته ووجدهم حوله، قال لهم: «ما لكم تكأكأتم علي كتكأكئكم على ذي جنَّة، افرنقعوا عني» يريد: ما لكم تجمعتم حولي كما تتجمعون على من به جنون، انصرفوا عني، وتفرَّقوا ودعوني وشأني. فاختارَ لهذه المعاني أصعب وأبعد الألفاظ عن الفهم.فقال أحد الواقفين مازحاً: دعوه فإن جنّيّته تتكلم الهندية.وسئل ورّاق عن حاله فأجاب: عيشي أضيق من محبرة، وجسمي أدقُّ من مسطرة. وجاهي أوهى من الزجاج، وسوء حالي ألزمُ من الصَّمْغ. وحظّي أسودُ من الحبر، وطعامي أمرُّ من الصبر.فقال له صاحبه: عبّرت عن بلاء ببلاء!.وأرى أن قوله r: «ولا تُعَسّروا»([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). يتناول التيسير في القول كما يتناول التيسير في العمل والتوجيه والفتوى والتعليم، ويعجبني قول الرُّصَافي: لست بالشاعر الذي يرسل اللفـ
|
| ـظ جزافاً لكي يصيب جناسه
| أنا لا أبتغي من الشعر إلا
|
| ما جرى في سُهولة وسلاسَه
| إنما غايتي من الشعر معنى
|
| واضحٌ يأمنُ اللبيبُ التباسَه
| هذا وإن اللغة العربية في القرن العشرين حيّة ميتة.حية لوجود القرآن الكريم والسنة الشريفة، حية في الكتب القديمة والحديثة، وعلى ألسنة الفقهاء والعلماء والخطباء ذوي المعرفة بها.ميتة عند عامة العرب والمسلمين الذين لم يدرسوها وهم يتفاهمون بالعاميّة التي يروّج لها أعداء الإسلام والعروبة، لأن من جهل اللغة العربية جهل القرآن والسنة وعاش في بعد عنهما وضلال كبير. وكم يُؤلم الغيورَ على الإسلام والعربية أن يرى ويسمع كثيراً من العرب يتكلمون الإنكليزية في بلادهم العربية وفي الفنادق والمنتديات العلمية وعلى الهواتف في البلاد الأجنبية، يخاطب العربيُّ بها أخاه العربي بطلاقة وإتقان، ولا يعرف من اللغة الفصحى شيئاً، وإذا تكلَّم بالعربية تكلَّم بها ركيكة عامية ضعيفة كارهاً أو مكرهاً.وهذا يرجع إلى ضعف في الدين والإرادة والشخصية، وانسلاخ عن الانتماء إلى أقدس لغة وأشرف أمة وخير سلف.وخدمة اللغة العربية خدمةٌ للإسلام الحنيف والقيم والمثل العليا، ودعم لإشاعة مكارم الأخلاق، وألطف الأذواق عند الصغار والكبار.وهذا يتطلب أموراً كثيرة نفيد منها أجيالنا ونستفيد، ونثبت أن لغتنا كديننا صالحة لكل زمان ومكان:1- أن يتكلم الوالدان مع الطفل منذ صغره باللغة السليمة بعد أن يبذلا جهدهما لفهمها ودراستها بقد الإمكان. فالبيت والأسرة هما المدرسة الأولى لطفل، ومرحلة الطفولة هي المرحلة المخصبة في تربية الطفل وتعليمه وحسن توجيهه نحو الأفضل والأكمل والأجمل. والطفل معقود سمعه وبصره على والديه ومربيه وأستاذه، الخير عنده ما يصنعون أو يقولون، والشر عنده ما يتركون أو يكرهون، وهو سريع التقليد لكل ما يسمع أو يرى. فليحذرْ كلٌّ منّا أمامَ أولاده أو طلابه أن يقول أو يفعل ما لا يحسنُ أو ما لا يليق.2- اختيار المعلم الكفء ذي الاختصاص في اللغة لتعليم الأطفال اللغة العربية، فاللغة تتلقى بالمحاكاة والتقليد أكثر مما تتلقى بالتعليم، والصواب أو الخطأ ينتقش في ذهن الطفل منذ صغره، فيردده ويثبت عليه، فاختيار ذوي الخبرة والاختصاص في اللغة العربية للمرحلة الابتدائية ذو أثر فعال في تنشئتهم على سلامة النطق وفصاحة اللغة. وكم يتألم الإنسان أن يستمعَ إلى أغلاط كثيرة وخطأ فاحش في اللغة العربية ممن يحملون شهادات عالية في شتى الاختصاصات، وهم يتكلمون في ندوات إذاعية وتلفزيونية أو يكتبون للمجلات والصحف، فتقرأ في مقالاتهم ما لا يُرضيك من الأسلوب الضعيف، أو اللغة البعيدة عن القواعد الصحيحة، وحبذا لو يعرضون مقالاتهم قبل إذاعتها أو نشرها على ذوي الاختصاص في اللغة العربية ليصححوها فتذاع أو تنشر على أصح وأحلى ما يُرام.3- اختيار الكتب الواضحة السهلة ذات العبارات والجمل الميسرة للفهم السريع البعيدة عن التعقيد في الأسلوب والإطالة في الشرح الممل الذي لا طائل وَراءه، المليئة بالأمثلة التطبيقية المجدية مع الوظائف المدرسية والمنْزلية التطبيقية، وأن تصحح جميعاً ليقف الطالب على الصحيح في كل شيء، فيلتزمه في قوله وكتابته، وأن تستعمل في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية السبورة دائماً في تعليم اللغة العربية مع الحكك (الحوار) الملّون لبيان حركة الإعراب أو البناء أو عود الضمير أو التقديم أو التأخير أو الحذف أو التقدير، ليرسخ ذلك في ذهن الطالب، مع كثرة الأمثلة التطبيقية لكل قاعدة على السبورة، أما تلقين الطلاب اللغة العربية بالحكك (الحوار) الأبيض فحسب مع قلة الأمثلة، أو بجلوس الأستاذ على الكرسي يشرحُ العبارة شفوياً دون النهوض إلى السبورة للبيان العملي الملوّن عليها، مع تعليل القاعدة وبيان السبب، فإن ذلك لا يجدي في التعليم شيئاً وهذا سبب من أسباب ضعف الطلاب في تلقي مادة النحو من الأساتذة في شتى المدارس الشرعية وغيرها.وخير كتاب نختار للمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية في نظري هو «النحو الواضح» للأستاذين مصطفى أمين وعلي الجارم مع الاستعانة بكتاب «جامع الدروس العربية» للشيخ مصطفى الغلاييني، لوضوح هذين الكتابين، وكثرة الأمثلة التطبيقية فيهما، مع الشرح الوافي الواضح بأسلوب مبسَّط لا تعقيد فيه، مع كثير من التعليل وبيان السبب.وفي كتاب النحو الواضح ثغرة كنت أودُّ أن لا توجد، وهو خلوّه من الشواهد والنصوص القرآنية ومن الحديث الشريف، ولو كانت معظم شواهده من القرآن الكريم والسنة الشريفة، لجاء على غاية ما يُرام، ولذا نصحت بالاستعانة بكتاب جامع الدروس العربية الذي اعتمدَ على القرآن والسنة بالإضافة إلى الشعر القديم في الاستدلال على القاعدة، وبذلك يتمم ما فات كتابَ النحو الواضح ويسدُّ الثغرة فيه. كما أنّ كتاب الدروس النحوية المطبوع في مصر لعدة مؤلفين ممتاز يُغني عن غيره للمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية. أما تحفيظ ألفية ابن مالك، واختيار أصعب كتب النحو لطلاب المرحلة الإعدادية والثانوية للطلاب ولو في المدارس الشرعية، كشرح ابن عقيل ومغني اللبيب وغيرهما، مما هو فوقَ طاقة الطلاب من حيث العبارَة المكثَّفة المضغوطة على أسلوب القدامى في التأليف، مما يصعب على طلاب المرحلة الإعدادية بل والثانوية أحياناً حفظها، أو استيعابها، فهو مما لا يجدي كثيراً.وأنصح بأن تدرَّسَ مثل هذه الكتب في الجامعات، لمن يُريد أن يتابعَ دراسته وتخصصه في المراحل الجامعية وما بعدها في اللغة العربية.والمجدي في تدريس اللغة العربية في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية الشرعية وغيرها أن نقوّم لسان الطالب، وأن نعلمه الصوابَ في القول والكتابة بالأسلوب السهل من الكتاب والنحو الواضح، حتى يقطفَ ثمرة النحو ويفيد منها، لا أن نعتدَّ بقوة المنهاج وصعوبة الكتب دون أن يفيد الطالب منها إلا القليل النادر.وأسلوب التعليم في كل مادة ومنها النحو لا يجوزُ أن يقتصرَ على ملء الوعاء، أي: تحفيظ الطالب العبارات المعقدة أو المطوّلة بصماً ولو لم يفهمها ولكن المقصود أن يفهمَ ويفيد من علمه تطبيقاً عملياً ويَستفسِرَ، وهذا يتطلب قدحَ شرارة الفكر عند الطالب، ليسألَ ويناقش عن الدليل والتعليل، فإذا توفرت لديه القناعة مع الفهم أحبَّ المادةَ وتابعها وأفادَ منها.4- أن يحاول كل فرد في المجتمع أن يقوِّمَ لسانه اللغوي، وأن ينطقَ بالصواب لتتضافَر جهود البيت والمدرسة والمجتمع لتحقيق هدف واحد، وهو النهوض بالطفل والطالب إلى المستوى المطلوب فلا يسمع إلا صواباً، ولا يرى إلا أدباً فيكون بذلك رجل المستقبل المأمول، وأمل الأمة المنشود.وعلى أجهزة الإعلام أن تختارَ أفصحَ وأبلغَ المذيعين، لأنها تشد إليها الصغير والكبير فيتعلمون صحيح اللغة وحسن الإلقاء.5- تدريس جميع العلوم في الجامعات ومنها الطب باللغة العربية، ومن كتب أحسن طبعها وإخراجها وتأليفها وصورها على أحسن ما يُرام لغةً وأسلوباً ووضوحاً وعلماً وفناً، وعلى يد أساتذة يُحسنون اللغة العربية وينطقون بها على الوجه الصحيح.مع الاستعانة بمجمع اللغة العربية والعلمية الذي أثبت جدارته في كل قطر عربي، ولاسيما دمشق والقاهرة على قدرته على إعطاء كلّ مخترع جديد أو علم جديد اسماً عربياً ومصطلحاً عربياً واضحاً، أخذ عن طريق الاشتقاق والقياس، وحبذا لو تدرس جميع الجامعات العربية العلوم كلها ومنها الطب باللغة العربية، اعتزازاً بتراثنا ولغتنا، وخدمة لطلابنا ليستوعبوا العلم عن طريق لغة يتقنونها، بالإضافة إلى العناية باللغات الأجنبية التي يدعو الإسلام إلى تعلمها، لنفيد من علومهم ونأمن مكرهم ونعقد معهم صلة خير للإنسانية جمعاء. ولا شك أن قوة أية لغة في العلم وانتشارها منوط بقوة أهلها، فلنكن نحن العرب والمسلمين أقوياء كما أمرنا الله تعالى ليقوى جانب لغتنا وتراثنا في العالم فيهتدوا به.وقد حدَّثني طبيب صالح موثوق بأنه تخصَّص في بلد تتكلم الألمانية وتعتز بلغتها، وسمع الأستاذ في الجامعة «كلية الطب» يصحح لطالب أخطأ بكلمة وهو ينطقُ بها ويرشدُه إلى الصواب فيها، وقد ظهر عليه التأثر لأن الطالب الطبيب لا يتقن اللغة الألمانية، وطلب منه أن يعيد الكلمة بشكل صحيح ثلاث مرات ليحفظها جيداً ولا يُخطئ ثانيةً، ونحن أولى أن نعتز بتراثنا ولغتنا من غيرنا، لأننا ولله الحمد نملك أكمل وأعظم منهج وشريعة، وأجمل وأشرف لغة وأعذب نطق.ورحم الله شاعر النيل حافظ إبراهيم، فقد قال قصيدة رائعة يتحدث فيها بلِسان اللغة العربية، أختار لكم منها ما أراه مناسباً للموضوع: رجعت لنفسي فاتهمتُ حصاتي
|
| وناديت قومي فاحتسبت حياتي
| رموني بعقمٍ في الشباب وليتني
|
| عَقِمت فلم أجزعْ لقولِ عُداتي
| وَلَدْتُ ولما لم أجدْ لعرائسي
|
| رجالاً وأكفاءً وأدتُ بناتي
| أيهجُرني قَومي عفَا الله عنهم
|
| إلى لغة لم تتصلْ برواةِ
| وسعتُ كتابَ الله لفظاً وغايةً
|
| وما ضقتُ عن آي به وعظاتِ
| فكيف أضِيق اليومَ عن وصفِ آلةٍ
|
| وتنسيقِ أسماءٍ لمخترعاتِ
| أنا البحرُ في أحشائِه الدرُّ كامنٌ
|
| فهل سألوا الغوّاصَ عن صَدَفاتي؟!
| وأخيراً ما أجملَ أن نجمع بين سلامة اللغة وسلامة السلوك، بين صحة العقيدة وصحة النطق والخلق، بين الاستقامة في الحياة والاستقامة في الكلام، بين الإخلاص والصدق في الأقوال والأفعال والأعمال.وأختم الموضوع بقصة طريفة ذكرَتْها كتب الأدب:وهي أن واعظاً أخطأ في اللغة فقالَ له نحوي: أخطأتَ يا لُحنَة.فقال له الواعظ:أيها المعربُ في أقواله، اللاحن في أفعاله، ما لي أراك معاتباً منكراً؟ أكل ذلك لأنك رفعت ونصبت وخفضت وجزمت. هلا رفعت إلى الله يديك في جميع الحالات والحاجات، ونصبت بين عينيك ذكر الممات، وخفضت نفسك بعيداً عن الشهوات، وجزمتها عن إتباع المحرمات.أوما علمت أنه لا يُقال لك يوم القيامة:ألا كنت فصيحاً معرباً؟ وإنما يقال لك: لم كنت عاصياً مذنباً؟ ولو كان الأمر كما زعمتَ والخطبُ كما حكمتَ لكان هارون أحق بالتقديم بالرسالة من موسى لأنه كانَ أفصحَ منه.فجعلهَا الله في موسى قبلَ هارون لفصاحة جنانه، لا لفصاحة لسانه.ثم أنشد: مجازفٌ في الفِعال ذو زَلَلِ
|
| فإذا قالَ قولَه وزنَه
| قالَ وقد أعجبته لفظته
|
| تيهاً وعجباً: أخطأت يا لحنة
| فقلت أخطأ الذي يقوم غداً
|
| ولا يُرى في كتابه حسنة
| ولعل القصة مؤلفة وليست واقعية، لأن واعظاً يحسن هذا الجواب ما أظن أنه يُخطئ كثيراً في اللغة، لأن «اللُّحنة» على وزن «فُعَلَة» وهو كثير الخطأ واللحن في اللغة، وعلى أية حال ففي القصة عبرة ودرس يدعونا إلى إصلاح العمل بالإضافة إلى إصلاح القول. والحمد لله الذي تتمُّ بنعمته الصَّالحات [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([1]) رواه ابن جرير الطبري، وانظر تفسير ابن كثير (4/525).[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]([2]) رواه البخاري ومسلم. | |
|